تمهيد :
الرقابة علي دستورية القوانين لا توجد بالضرورة في كل الدول ، كذلك فان الرقابة علي دستورية القوانين قد تقوم وتتولاها المحاكم العادية حتى في غير وجود قضاء دستوري متخصص ، واقدم تجربة في العالم المعاصر في هذا الخصوص وهي تجربة الولايات المتحدة في رقابة دستورية القوانين نشأت وتولتها المحاكم العادية وعلي رأسها المحكمة العليا الفيدرالية ، ولا يوجد في الدستور الأمريكي نص واضح يفرض هذا الرقابة وانما هو اجتهاد قضائي محض ذلك الذي بني هذه الثروة القضائية الضخمة في موضوع الرقابة علي دستورية القوانين وهي الثروة التي استفاد منها القضاء الدستوري في أنحاء العالم المتحضر كله – ومحكمتنا الدستورية العليا لم تتردد بدورها في الإفادة من هذه الثروة كلما كان ذلك ممكنا علي نحو ما سنري عندما ندرس التجربة المصرية في القضاء الدستوري .
ولكن الرقابة الدستورية عندما توجد – حتى عن طريق القضاء العادي عندما لا يوجد قضاء دستوري متخصص – نفترض مقدمات ضرورية ولازمة لإمكان قيام هذه الرقابة .
وهذه المقدمات الضرورية فيما نري هي :
( أ ) وجود دستور .
( ب ) الإيمان بمبدا المشروعية وسيادة القانون .
( ج ) وجود قضاء مستقل .
ونبحث كل مقدمة من هذه المقدمات في مبحث خاص .
المبحث الأول وجود دستور
إذا وجدت دولة بغير دستور – وهو أمر نادر في العصر الحديث – فلا يمكن أن يكون في هذه الدولة قضاء أو رقابة علي دستورية القوانين – ذلك أن غياب الأصل يقتضي بالضرورة غياب الفرع .
وجود " الدستور " هو المقدمة الضرورية لإمكان وجود مثل هذه الرقابة سواء قان بها قضاء دستوري متخصص أو قامت بها المحاكم العادية ، ولكن ليس معني وجود الدستور في بلد من البلاد أن يوجد فيها بالضرورة رقابة علي دستورية القوانين ، ذلك أن هناك بلادا كثيرة يوجد فيها الدستور ولا يوجد فيها مثل هذه الرقابة .
وإذا كان وجود دستور أمرا لازما وسابقا بالضرورة لإمكان قيام رقابة دستورية – فما هو معني الدستور ؟ وهل يمكن وجود هذه الرقابة في ظل كل أنواع الدساتير المرنة منها والجامدة ؟
أولا : معني الدستور :
يثير فقهاء القانون الدستوري جدلا طويلا حول المذهب الموضوعي – والمذهب الشكلي في معني القانون الدستوري . وليس يعنينا هنا أن نعالج هذه القضية بتفصيل ، وانما يعنينا منها القدر الذي يتعلق بموضوعنا : موضوع القضاء الدستوري والرقابة علي دستورية القوانين .
والدستور – علي أي حال – هو القانون الأساسي في دولة ما – هو قمة التنظيم القانوني في أي دولة . ولا يتصور وجود قاعدة قانونية تسمو علي الدستور وانما يتصور العكس بمعني سمو الدستور علي كل القواعد القوانين الأخرى .
والدستور يتعلق بتنظيم الدولة باعتبارها مؤسسة المؤسسات السياسية أو المؤسسة ألام لكل المؤسسات داخل الدولة من حيث كيفية تكوينها واختصاصهتا وكيفية مباشرتها لهذه الاختصاصات وحدود وضوابط هذه الاختصاصات ، كذلك علاقة سلطات الدولة ببعضها ، وعلاقتها بالمواطنين ، كذلك فان الدستور لابد وان يعني بحقوق المواطنين في مواجهة السلطات العامة وكيفية حماية هذه الحقوق .
هذا هو المعني العام الموجز للدستور .
ولكن كما قدمنا فان الفقه الدستوري يفرق بين المعني الشكلي للدستور والمعني الموضوعي له . فماذا يراد بذلك علي نحو موجز وما علاقته بما نحن فيه – ما علاقته بموضوع الرقابة علي دستورية القوانين ؟
المعني الشكلي للدستور ينصرف إلى الوثيقة الدستورية ذاتها لا يعدوها ومفهوم الدستور وفقا لهذا المعني هو انه عبارة عن القواعد القانونية الواردة في الوثيقة التي تحوي النصوص الدستورية . وكل قاعدة لا تضمها هذه الوثيقة لا تعد – بالمعني الشكلي – قاعدة دستورية . كذلك فان كل قاعدة يتضمنها نص من نصوص هذه الوثيقة يعتبر في كل الأحوال قاعدة دستورية